بسم الله الرّحمان الرّحيم
الحمد لله
والصّلاة والسّلام على رسول الله
عَمّي مرْزوق الله يرْحمه كان رجل في قريتنا تحيط به الفكاهة من كلّ جانب و لا تختفي عنه إشارات سخرية الزّمن إذا ظهر
مع أنّ الكثير ممّن يعرفه يعتقد أنّه صاحب نكتة و مثير
أعلم عنه نكتة على كلّ حال وأنا صغير السّنّ، إذ رآه أحدُ الجيران قادما من بعيد على حماره فعندما وصل حذْوه قال له والله يا أخي لمّا رأيتك من بعيد لم أعرفْك لكنّي عرفتُ حمارك
فقال له عمّي مرزوق بسرعة: طبعا فالحمير تعرف بعضها !
لكن عمّي مرزوق إذا اجتمع بالنّاس في الحانوت وهو المكان الذي يعوّضه المقهى في المدينة يحدّث حديث العلماء ويُبْهر مستمعيه بعد أن يملّوا من لعب الورق (الكارطة) ويلتفتون إليْه بل لا يكادون إيجاد فسحة في عقولهم لما ينثره على مسامعهم من صواعق ورواجم
سمعتُه مرّة يتحدّث والله شهيدٌ على ما أقول:
قال إنّ هذا الكون له نهاية..
وليس يريد الموعظة بذكر يوم القيامة فقد نسي العباد يومَ القيامة ولن ينفع التّذكير لأنّهُم غرقوا في الدّنيا ولن تقوم لهم قيامة
وإنّما يتحدّث عن نهاية جغرافية..
ويقول إنّها في أقصى المغرب الأقصى فيقول من يذهب هناك سيصل إلى مكان يرى فيه نهاية الأرض ثمّ يبدأ بعد ذالك ظلام دامس مخيف من يتقدّم خطوة ذهب في خبر(عمّي مرزوق)
و كنتُ أقول وأنا فتى يافع لما لا يجْعل ملك المغرب إذَنْ سياجا قويّا ومرتفعا ليحْمي مواطنيه من الإنْزلاق ..
حقّا إنّ هذا لهو عقوق الرّاعي للرّعية..
وأقول اليوم لو كان هذا (الهفهوف) المظلم على حافة بلادي الحبيبة لما بقي أحدٌ فيها من البَرِيّة
و ما اضطرّ شاب متخرّج من الجامعة لحرق نفسه أمام الولاية ولا قدّام البلدية!
وأنا أعلم جيّدا أنّ هذه الهوّة السّحيقة المظلمة الّتي كانت موجودة في عقل ودماغ عمّي مرزوق أيّام زمان بفعل الجهل هي موجودة اليوم في عقول وأدمغة أبناء جيل اليوم بفعل نفس الفاعل
فكما أنّك لو أقسمْت بأغلظ الأيمان وحثوْت التّراب على رأسك وبكيْت ولطمْتَ وجْهك وصرخْت كالمجْنون وأنت تحاول أن تُقنع عمّي مرزوق رحمه الله بأنّ وراء المغرب الشّقيق شواطئ المحيط الأطلسي
تنتثرُ على رمالها في الصّيْف العاريات من الحضارة والمُتمرّدات على الدّين والمتمرّدون والممْسُوخات.. ثمّ وراء المحيط الأطلسي القارّة الأمريكية ولا وجود لهوّة مظلمة على حافة المغرب تنتهي عندها الأرض ما صدّقك مرزوق لحظة وما اشتهى لنفسه الخروج من ظلام عقله ليرى النّور..
لو أنّك فعلت الجهد نفسه أو أزْيَدَ منه مع قُطعان شباب اليوْم وأحرقت عروقك لكي تُقنعهم بأنّ ما هم عليه من مسْخ وتمزّق حضاري وضياع وجودي وانفصام جذري وانبتات تاريخي ليْس بتقدّم و لا تطوّر وإنّما هو هوّة مظلمة وحافّة سحيقة بلا قرار في عقولهم كما الّتي كانت في عقل عمّي مرزوق تُبعدهُم عن الهدف الحقيقي للحياة ما صدّقك واحد ولا واحدة منهم.. و لقالوا عنك أنّك رجْعي مُتخلّف تُوزّع صكوك الجنّة!
عند التّخرّج يندفع الواحد منهم إلى نقاط ساذجة مرسومة مسبّقا في عقله المظلم الّذي لم يرى خلال سنوات الدّراسة نورا قطّ
إذا حصل على تعْيين في شغل لا تعْدو أحلامه أنْ تكون شقّة ذات (كُولوارْ) أوروبي وأثاث غربي متطوّر وللعروس روبة تصْدير بمئات الآلاف وعراء وصور ونزل ذي نُجوم وسيّارة مكْرية لشهْر ماجن وإسْراف يموّله بقرْض سُحتٍ وربا مُخْزٍ ومُدحْرجٍ في النّار و بئْس القرار
ولا سؤال عن أحْوال أمّته ومُعاناتها ولا همّ على إخْوانه المحْرومين لا أقول منْ المعاهد والجامعات بلْ من رغيف خبْز ودواء .
ولا يحفل بالدّنيا تدور بأهلها أو لا تدور
السّؤال هنا ما الفرق بين المساحة المظلمة في عقول الشّباب الممْسوخ اليوم إلاّ ما رحم ربّي منهم وتلك الّتي كانت في عقل عمّي مرزوق
هُم عبيد لزيف حياتهم وأحلامهم الفارغة الّتي تسكُنهم وتجعل هُوّة مظلمة في قلوبهم وعقولهم فتحجبهم عن رب السّماء والأرض
فهم فعلا يشبهون عمّي مرزوق المحجوب عن العلم الصّحيح بظلمة عقله وقلبه الّتي جعلتْه يرى الأرض تنتهي وراء المغرب.
وإلى لقاء قريب إن شاء السميع المجيب