Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

خلق الموت و الحياة وليس الحياة والموت ـ بقلم: مخلوف بريكي

paysage



بسم الله الرّحمان الرحيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ 


مرّة، الإمام يقرأ سورة الملك في صلاة الفجر وعند بلوغه الآية الثانية: 

" الّذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا "


انتبهت إلى أنّ الله سبحانه وتعالى: قدّم الموت على الحياة هنا في هذا السّياق القرآني فقلت بيني وبين نفسي:

لماذا لم يقل ربّنا تعالى: "الّذي خلق الحياة والموت" بل قال " الّذي خلق الموت و الحياة " ؟

ونحن نعلم علما لا ريب فيه أن كلمات الله لا مجال للصّدفة فيها بل هي غاية في الدّقّة...

القرآن دقيق يا عباد الله ، دقّة لا مثيل لها..

.............................

بادئ ذي بدء أحسست بلطف الله سبحانه من خلال هذا السّياق.. فهو لطيف بخلقه، بل لا أحد و لا شيء ألطف منه..

فهذه الحياة التي قضاها عليْنا.. كم فيها من ثنائيات الحلو والمرّ... 

واللهُ جلّ جلاله حين يستعرضها في القرآن يبدأ دائما بالمرّ ثمّ يأتي بالحلو بعده ليحلّ محلّه ـ يبدأ بالصّعب ثم ينتهي بالسّهل بعده لننسى ما قبله.. 

تأمّلْ هنا .. يذكر الموت الّذي نكرهه وتنْقبض أنفسنا لذكره وقد سمّاه هو نفسه سبحانه وتعالى " مصيبة " وذلك في قوله: 

" إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت "


ثمّ يعقّب مباشرة بالحياة الّتي يملأ ذكرُها النّفسَ انشراحا ... فيقول: " الذي خلق الموت والحياة "

وكأنّي به يقول لي: يا عبْدي تحمّلني قليلا في ما قضيته عليك من مشقّة وابتلاء الموت، وسأعطيك بعدها حياةً لا موت بعدها يعكّرها... لتخلد وتسْعد وتنعم... 

وفي مواقع أخرى كما قلت ، مشاهد من تك الثنائيات يبدأ فيها بالسيّء ثمّ يذكر الحسن.. المصيبة ثمّ الجزاء والتعويض.. العسر ثمّ من بعده اليسر أو يُسرَيْن كما قال الحبيب محمّد صلى الله عليه وسلّم ..

أنظر كيف يقول: وإذا مرضت فهو يشفين سبّق المرض ثمّ جاء بالشّفاء بعده، ثمّ لم يذكر بعده مرضا آخر مع أنّه ممكن ، كلّ هذا لطف من اللطيف الخبير..

وانظر في مطلع سورة الأنعام : 

" الّذي خلق السّماوات والأرض وجعل الظّلمات والنّور " 


يذكر الظلمات فتنقبض نفسك فيذكر مباشرة النّور وليس بينهما وقفٌ و لا فاصل رحمة بك.. فتنشرح وتتهلّل أساريرك وتفرح ثمّ والأعجب لا يأتي بظلمات أخرى بعد ذلك النّور لتبْقى منشرحا سعيدا لا يكدّر غبطتك شيء.. 

تماما كما في سياقنا الّذي نتأمّل فيه الآن وهو سبب المقالة:

يذكر الموت متبوعة بحياة ولا يجعل بينهما فاصل في الذّكر لتطمئنّ قلوبنا ثم لا يأتي بعدها بموت آخر ..لكي لا يعكّر علينا تلك الحياة التّالية وأيضا لكي لا يعطينا إحساس بالعبث فتصبح لعبة: موت ثمّ حياة ثم موت ثمّ حياة ثمّ موت وهكذا...

رأيت بعض المفسّرين يقولون في قوله:

" الذي خلق الموت والحياة " 


يعني: الموت الذي كنا فيه والحياة هذه التي نحن فيها والموت الّذي يليها ثمّ حياة الخلد التي تلي كلّ ذلك ... 

وأنا أرى هذا التّأويل تنقصه الدّقّة ... والتّعميم فيه يطغى على لطافة المقصد المحدد.. 

فالموت السّابق الذي كنّا فيه معلوم ، والحياة الّتي نحن فيها مشهودة، وإنّما هو يتحدّث عن موت وحياة قادمين... موت آت قد نغفل عنه وننساه فنطغى ونتعدّى حدود الله ... وحياة أبدية لازالت في الغيب مـِنّـا من يؤمن بها.. ومنّا من ينكرها فهو هنا يراوده لعله يؤمن بها..

طيب، لا علينا ..

الآن عندي تساؤل هو التّالي:

لماذا لا نقتبس من هذا الترتيب الرّبّاني العجيب في حياتنا اليومية..
فنجعل دائما بعد السيّء الحسن الّذي يصلحه ثمّ لا نخلفه بسيء آخر يعكّره ويفسده ؟؟

لماذا لا نجعل لقلوبنا بعد موت عارض بالمعاصي والخطايا حياة أبدية بالتّوبة ؟؟

" افمن كان ميّتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس"


لماذا لا نجعل بعد الهدم والخراب الّذي يحدث في الأرض بأيدينا بناءً وتعميرا ليس بعدهما خراب ؟؟

لماذا في علاقاتنا اليومية نكرّر الماضي ببؤسه ونجترّه كالنّعاج ونتشبّث بالبقاء في الحفر الّتي الّتي وقعنا فيها، ولا نبادر بتأسيس حاضر ومستقبل مشرق يخلفه و يحتويه ؟؟ 

وفي النّهاية إذنْ : الله خلق الموت و الحياة وليس الحياة والموت فاحْيَ من فظلك ولا تمُتْ...!

ــ مخلوف بريكي ــ

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
M
allahoma nasalouka thabat 3ala din ISLEM allahoma a7sin 5awatimana
Répondre