Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

ترقيم النّاس.. إلى أين..؟ بقلم: مخلوف بريكي

 

 

منذ يومين هاتفْتُ ورشة إصلاح سيّارات هنا في فرنسا أين أعيش، أسأل عن

قطعة غيار لسيّارتي فأحالوني على مسؤول مغازة الورشة وحين كلّمته أردت أن أعطيه نوع سيارتي والموديل والسّنة االّتي صُنعت فيها.. لكنّه قاطعني قائلا: لا لا لا... فقط أعطني رقم لوحة التّسجيل.. وبسرعة أخبرني عن نوع سيارتي والموديل وقوّة محرّكها ولونها وتاريخ ميلادها ثمّ ناداني بإسمي أيضا قائلا يا سّيد "فولان الفولاني" وذكّرني بعيد ميلادي وأين أعمل ورقم هاتفي.. وأظنّه لو شاء لحدّثني عن عائلتي في تونس.. وكم تزوّج أبي رحمه الله من زوجة.. وهل أنا من عرش جلاص أو الفراشيش..!

 

ظاهرة ترقيم النّاس وإدراجها في أنظمة معلومات ووضعها تحت رقم موحّد، أصبحت في الغرب ظاهرة محيّرة، وتبعث على القلق، ممّا بدأ يحدث تمللا وتساؤلات لا تنتهي لدى الرّأي العام..

 

الرّقم المعرّف في نظام التأمين على الصحّة مثلا هنا.. أصبح رقما عجيبا يحوي تقريبا سيرة حياتك من أولها إلى آخرها.. وأكثر من ذلك أصبح كتاب تاريخ لك ولما يتّصل بك من عائلة وهجرة وأصل ودين..! كما أصبح في متناول كلّ الإدارات الّتي يمكن أن تحتاجها وتتعامل معها...

 

فمثلا مصلحة الضرائب، منذ أيّام أرسلت لي رسالة تخبرني فيها أنّها علمتْ أنّ مشغّلي قد قام بزيادة مرتّبي بكذا وكذا وعليه فقيمة أدائي على الدّخل ستزيد بمقدار كذا... وأرسلت لي إدارة المنح العائلية والسّكن تخبرني بالتغيير نفسه وأنّه سيؤخذ بعين الإعتبار..

 

وإذا اشتريت تذكرة سفر للذّهاب إلى بلدك الأصلي أو أي بلد آخر في عطلة.. يتمّ إدخالها في السّيرة الرّقمية الّتي أنشئوها لك.. ثمّ بعد ذلك لا تستغرب حين تأتيك مثلا، في صندوق رسائلك، رسالة من شركة رحلات لم تتعامل معها أبدا تقترح عليك السّفر إلى نفس الوجهة الّتي سافرت إليها في السّنة الفارطة لكن بسعر أقلّ من السّعر الّذي دفعته سابقا.. و يقترحون عليك إن شئت نزلا ومطاعم في تلك الجهة.. حتّى خشيت أن أجد دعوة أو اقتراحات لشراء المقروض وهي عادتي من بعض الحوانيت في القيروان دون أخرى وربّما صحفة لبلابي أو كعبة بريك عند "بو ديسة"...

 

إدارة الإتّصالات تعرفك جيّدا وتعلم كلّ شيء عن اتّصالاتك ومكالماتك ومقالاتك إن كنت كاتب مقالات وحتّى غرامياتك إن كنت صاحب مغامرات ويعرفون هل تحب في النّساء البدينات أم ذوات القوامات الهيفاء..!

 

وأنا لاحظت أنّ محرّك جوجل عندما أدخله وقبل أن أطلب منه أي خدمة وبمجرد تحريك ما يُسمّى "الفأرة" إذا به ينزّل لي قائمة في الكتب التي أسأل عنها دائما وأبحث فيها من حين لآخر.. والمواقع التي أرتادها.. إلى درجة أنّني أصبحت أفكّر في مغالطته بارتياد مواقع لا أرغب فيها وليست من اهتماماتي.....

 

مرّة دخلت موقعا وإذا "بجوجل" يصرخ ويقول: (آه نندبهم) كما يفعل رئيسنا المرزوقي.. قلت مابك يا جوجل وخيْ..؟ قال اخرج من هنا بسرعة فهذا الموقع ليس من ذوقك..!

 

باختصار أنت أصبحت مرقّما عند تلك الأنظمة ورغباتك مرقّمة و شهواتك وتحركاتك واختياراتك وموسيقاك ورسائلك إلى أصدقائك وحتّى زلاّتك وأخطاؤك... أصبح الأمر خطيرا...

 

أمّا البطاقة البنكية فلن أحدّثك عنها، وإلاّ فسأملأ المقالة كلاما، وربّما أملأ قلبك فزعا.. وهنا فهمت لماذا أشيع عن الرّئيس السّابق جاك شيراك كيف كان لا يستعمل بطاقته البنكية حين يسافر حتّى لا يقع تحديد مكانه وكان يهاتف مكتب سكريتيره في باريس ليدفع له ثمن عشائه إذا تعشّى في سنغافورة أو جربة.. أو يدفع له محطّة الطريق السيّارة...

 

والهواتف الجوّالة اليوم تحدّد مكانك حتّى ولو أطفأتها في سفرك.. وأحدثوا الهواتف الّتي لا تُنزع بطارياتها...

والرّادار في الطّريق إذا التقطك في تجاوز سرعة يسجل صورتك ووجهتك في ذلك اليوم ومعلومات كاملة عن حياتك انطلاقا من رقم سيّارتك.. وربّما تُسأل في يوم ما لماذا ذهبت إلى المدينة الفولانية..؟

 

نحن في بلداننا النّامية وبالخصوص المسلمون نتّبع خطى هذا الغرب في وضع اليد على الإنسان ومراقبة أنفاسه دون التّوقّف عند أي حدود تمنع اختراقه وهتك أسراره..!

 

إلى أين ذاهب هذا العالم في جعل التكنولوجيا بشعة إلى هذا الحدّ وتسخيرها ضدّ الإنسان تخترقه وتهتك ستره عوض أن تحميه و تكون في خدمته ..؟

 

هل أصبح راعي الإبل في صحراء مالي الّذي بيده هراوة وفي أقصى تطوّره بندقية بارود على كتفه أكثر سترا وكرامة..؟

 

نحن المسلمون لمّا تخلّفنا وأصبحنا نستورد التكنولوجيا من غرب لا أخلاق له.. ابتعدنا وأصبح من المستحيل أن نبشّر الإنسان بكرامته عند ربّه و حقوقه في صونه وستره الّتي ضمنها الإسلام...

 

في النّهاية إليكم هذين الضّابطين:

 

الأوّل= هو دعوة للعلم والإمساك بتلابيب التكنولوجيا والإبداع.. وفيه قال تعالى: "علّم الإنسان ما لم يعلم.."

 

والثّاني= دعوة لاحترام أسرار النّاس وعدم اختراق خصوصياتهم...وفيه قال تعالى في كلمة واحدة مختصرة ليت الغرب صاحب كذبة حقوق الإنسان يقرأها ويتمعّن فيها: "و لا تجسّسوا"

 

وعموما يقول تعالى "ولقد كرّمنا بني آدم"

ترقيم النّاس.. إلى أين..؟ بقلم: مخلوف بريكي
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
A
هذا من خصائص التكنلوجيا الرقمية ربما فيها بعض المساوئ لكنها تحمل في جوانبها الاخري عدة امتيازات
Répondre